رشان اوشي تكتب: دارفور.. على تخوم المأساة والرهان الجيوسياسي
الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025 09:56 م
الكاتبة الصحفية رشان اوشي
الفاشر لم تكن مجرّد مدينة، بل كانت قلب الذاكرة الدارفورية، سقوطها لم يكن حدثاً عسكرياً بحتاً، بل لحظة مفصلية في تفكك الدولة السودانية الحديثة، وانكشاف صراع الإرادات الإقليمية والدولية على مسرح هش من الرمال والدم.
إنّ مذابح الدعم السريع ضد المدنيين ليست فقط جريمة إنسانية تُضاف إلى سجلها، بل هي محاولة عنيفة لفرض هندسة ديموغرافية جديدة في الإقليم، تُعيد رسم الخريطة السكانية والولاءات السياسية، وتُمهد لتأسيس كيان سياسي على أنقاض الجثث.
لكن أي دولة يمكن أن تُبنى فوق ركام المذابح؟
كيف سيواجه قادة الدعم السريع إرثهم الدموي حين يُطلّ فجر السياسة؟.إنّ الشرعية السياسية لا تُصنع بالسلاح، ولا تُكتسب بالرهبة، بل تُمنح حين يشعر الإنسان أنه ينتمي لدولة تحميه، لا تذبحه.
في الفاشر، انهار آخر جدارٍ نفسي بين المواطن والسلاح، وتكشّف أن المشروع المسلح الذي يرفع شعار "العدالة للمهمشين" تحوّل إلى سلطة إثنية تبحث عن هوية بديلة للدولة السودانية.
إنها ليست حرباً على النظام فحسب، بل على فكرة الدولة نفسها، على مفهوم المواطنة، على حقّ الناس في البقاء.
أما القيادة السودانية في الخرطوم، فتمضي بخطى متثاقلة نحو ما تسميه "تحرير دارفور"، كأنها تخشى الحقيقة أكثر مما تخشى العدو، بطؤها ليس فقط عسكرياً، بل فكرياً واستراتيجياً؛ إذ ما زالت تتعامل مع الصراع كمعركة حدود، لا كمعركة وجود.
في الحروب الوجودية، لا يكفي السلاح، بل يلزم وعي يُدرك أن الجغرافيا ليست مجرد أرض تُستعاد، بل ذاكرةٌ تُنقذ من المحو.
إنّ ما يجري في دارفور لا يمكن فصله عن معادلات الإقليم، الإمارات، التي كانت ترى في السودان بوابة اقتصادية نحو البحر الأحمر والذهب، أدركت أن "بورتسودان" تتقارب مع واشنطن على نحوٍ يهدد نفوذها التقليدي في المنطقة.
فجاء الردّ عبر أداة الحرب بالوكالة: إسقاط الفاشر، لا كمجرد انتصار ميداني، بل كرسالةٍ سياسية تقول إنّ الخرائط تُعاد رسمها بالنار، لقد استبدلت الموانئ التي استعصت في الشرق، والذهب الذي فُقد في الشمال، بدماء جديدة في الغرب.
دارفور، بما تحمله من ثروات باطنية ونسيج قبلي قابل للاختراق، باتت المسرح الأنسب لمشروع "الدولة البديلة" دولة تُدار بالوكالة، تُنهب مواردها باسم التنمية، وتُقسم ولاءاتها باسم الفيدرالية.
لكنّ للتاريخ ذاكرة لا تنام، الشعوب التي احترقت بنيران التحالفات الخارجية تعود دوماً من رمادها أكثر وعياً وصلابة.
قد تسقط الفاشر، وقد تنكسر المدن، لكن سقوطها الأخطر سيكون حين يتصالح الضمير الجمعي مع فكرة التقسيم، حين يتحول الإنسان السوداني إلى لاجئ داخل خريطته.
إنّ مستقبل السودان لن يُصاغ الا في لحظة وعي وطني تُدرك أن دارفور ليست "قضية إقليمية" بل مرآة الدولة كلها، فإذا لم تُحرر ، فلن يتحرر السودان من قدره الأبدي مع الانقسام.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
رعاية رسمية لعلاج فائزة عمسيب تقديرًا لمسيرتها الفنية
15 ديسمبر 2025 12:39 م
حكومة الأمل تتكفل بعلاج الفنانة فائزة عمسيب
14 ديسمبر 2025 06:52 م
بمبادرة نساء الكدرو.. تكريم الفنان النور الجيلاني بحضور وزير الثقافة والإعلام
07 ديسمبر 2025 02:34 م
عودة برنامج "أغاني وأغاني" تغضب السودانيين و"أم وضاح" تفتح النار: دماء الشهداء لم تبرد
06 ديسمبر 2025 07:25 م
الأكثر قراءة
-
الشرطة السودانية تعلن عن وظائف في مجمعات خدمات الجمهور.. تعرف على الشروط
-
رئيس الوزراء يؤكد متانة العلاقات بين السودان ودولة جنوب السودان
-
القضارف تشرع في وضع الترتيبات لاستقبال عدد من النازحين
-
التأمين الصحي في زمن التحديات: ملتقى أركويت يدعو للتكامل وإطلاق “هيكل الإصلاح” في الصحة
-
تفاهمات استراتيجية بين الخرطوم وجوبا تعزز الاستقرار وتفتح ملف الطاقة والنفط
أكثر الكلمات انتشاراً