رشان أوشي تكتب: دارفور.. الجغرافيا تُعيد تعريف الحرب

السبت، 01 نوفمبر 2025 09:57 ص

رشان أوشي

رشان أوشي

ليست حرب الكرامة في الخرطوم والجزيرة وسنار وكردفان كحرب الكرامة في دارفور.

هناك، في إقليم دارفور الذي يشبه في تضاريسه خيال الأسطورة، تتخذ الحرب تمظهراً آخر، يتجاوز ثنائية الدولة والتمرّد، ويتخطّى المعادلة التقليدية للصراع على السلطة، ليغدو مشروعاً لإعادة إنتاج الجغرافيا والهوية معاً.

فمليشيا "الدعم السريع" التي تقاتل بالوكالة عن المحور الإماراتي ـ الإسرائيلي لا تسعى فقط إلى السيطرة على الموارد والثروات المعدنية، بل إلى تثبيت واقع ديمغرافي جديد ينسف مفهوم الدولة الوطنية الحديثة، ويُعيد ترتيب الخريطة الاجتماعية على أسس القوة والغلبة، لا على العقد الاجتماعي.

دارفور، في الوعي الجمعي للرعاة القادمين من السهول الممتدة بين تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا، تمثّل أرض الميعاد، المدى المفتوح الذي يجب أن يُستعاد بالقوة أو يُفنى دونه الوجود.

بينما تراها المجموعات التاريخية، الفور،الزغاوة والمساليت "المجال الحيوي" الأخير لهويتها وذاكرتها الجمعية. ومن هنا يتجلى جوهر الصراع: إنها حرب استيطان وتغيير ديمغرافي، لا حرباً على مركز القرار أو على قصر الرئاسة في الخرطوم.

لقد فشل النسيج الاجتماعي في احتواء فوضى الرعاة وللمرة الثانية خلال عقدين، يُطرد المزارعون من أرضهم، وتُستجلب موجات بشرية جديدة لتوطينها في قلب الإقليم، في عملية إحلال سكاني منظّمة تستند إلى منطق القوة لا إلى منطق التعايش.

إنها حرب "هندسة اجتماعية" بالقوة المسلحة، يُراد بها أن تُمحى الذاكرة وأن يُعاد رسم ملامح المكان وفق مصالح الخارج وأطماع الوكلاء.

إن سقوط الفاشر ومحاولات "آل دقلو" تأسيس كيان موازٍ لا يجب أن تُقرأ كواقعة عسكرية فحسب، بل كتحول استراتيجي في بنية الصراع الإقليمي، وكجرس إنذار يدعو السودانيين إلى تماسك وطني مضاعف، وإلى استدعاء روح الدولة المركزية التي تعلو على الإثنيات والجهويات.

فدارفور ليست هامشاً، بل قلب السودان العميق، جزء من نسيجه الثقافي والروحي، ومن دونها يتفكك المعنى ذاته للسودان كدولة جامعة ومتعددة. وعليه، فإن الحفاظ على وحدة دارفور هو حفاظ على وحدة السودان نفسه.

إذن، لا بد أن يبقى القائد مني أركو مناوي فاعلاً سياسياً وميدانياً مهماً ومحورياً في هذا الظرف الحرج، بوصفه أحد رموز الشرعية الوطنية داخل الإقليم.

كما يجب أن يتصدر الدكتور جبريل إبراهيم والقائد صلاح رصاص والقائد تمبور المشهدين العسكري والسياسي، لتبقى دارفور ضمن النسق الوطني لا الإقليمي.

في المقابل، على القيادة في بورتسودان أن تمنح قادة مسار دارفور في اتفاق جوبا تفويضاً واضحاً لإدارة ملف التواصل الخارجي، كي يضغطوا عبر القنوات الدبلوماسية على الغرب لإيقاف مشروع التغيير الديمغرافي وحرب الاستيطان.

فمشاهد القتل الجماعي والنزوح واللجوء كافية لمحاكمة ضمير الغرب الإنساني، الذي ما زال ينتقي ضحاياه وفق حسابات المصالح لا وفق معايير الأخلاق.

إن ما يجري في دارفور لا يُواجه بالبيانات ولا بالندب السياسي، بل بتأسيس جبهة وطنية موحدة تنظر إلى الصراع من زاوية الأمن القومي، لا من زاوية الخلافات الحزبية أو الحسابات الضيقة.

أخي القائد مني أركو مناوي، يجب أن نتجاوز حساسياتنا الصغيرة، ويتعين علينا أن نوفر لكم الغطاء السياسي والإعلامي الكامل، لا لأنكم معصومون من الخطأ، بل لأن اللحظة التاريخية تقتضي تضامناً يتجاوز الذوات.

فدماء الشهداء الذين سقطوا في الفاشر، من القوات المشتركة ومن المدنيين هي التي تُعيد اليوم تعريف معنى الكرامة، وتكتب بدمها خريطة السودان الجديد؛ السودان الذي لا يُرسم على الطاولة، بل على صخرة التاريخ.

محبتي واحترامي.


https://www.facebook.com/share/p/1D1vJNca5n/

search