سيف الإسلام عبدالله يكتب: الكاهن القائد الاستثنائي بين أمواج السياسة ونيران الحرب

الإثنين، 10 نوفمبر 2025 05:35 م

سيف الاسلام عبد الله

سيف الاسلام عبد الله

​ انا كنت ومازلت من الأصوات التي انتقدت بشدة الدور السياسي للمؤسسة العسكرية على مدى سنوات من حكم الإسلاميين  ورغم الخلاف المستمر والتباين في الرؤى تجاه تغلغل تلك التيارات  داخل هياكل صنع القرار ورغم التحفظات التي ابديتها ومازلت ابديها تجاه الفريق اول عبد الفتاح البرهان  وطريقة ادارته للفترة الانتقالية وملفات معينة اعتقد انها كان يجب ان تدار بأسلوب مختلف الا انني لا استطيع ان اتجاهل صوت الضمير الوطني الذي يفرض احترامه في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ وطننا الحبيب.
ان عبء المسؤولية التي القيت على كاهل الرجل  عبء يكاد لا يطيقه جبل من الجبال الراسيات. و حجم التحدي الهائل و الثقيل الذي يحمله الفريق اول عبد الفتاح البرهان وحده في هذه المرحلة التاريخية التي تعصف بكيان الدولة السودانية. انه يقف في مواجهة مباشرة مع عواصف اقليمية ودولية مدمرة ومع ازمات داخلية معقدة ومتشابكة ومتراكمة تهدد وجود الدولة السودانية ككل وليس مجرد نظام حكمها او سلطة عابرة.
​هذا الثقل الهائل يضعه في موقع لا يُحسد عليه على الإطلاق موقع يفرض عليه ان يقاتل في جبهات متعددة في وقت واحد وان يحمل ملفات سياسية واقتصادية وعسكرية شائكة جدا تمس صميم السيادة الوطنية وتلامس خطوط الدفاع الأخيرة عن وحدة التراب السوداني. انه يقاتل على الجبهة العسكرية لردع العدوان والتمرد ويسعى على الجبهة السياسية لتأمين اعتراف دولي بمشروعية المعركة ويصارع على الجبهة الاقتصادية لمنع الانهيار الكامل الذي يتربص بنا كل لحظة. انها معركة متعددة الأبعاد لا يملك فيها القائد ترف الضعف أو التردد أو التنازل.
​وفي غمرة هذه المعارك المصيرية التي تحدد مصير اجيال قادمة كشفت زيارته الأخيرة لمعسكر النازحين عن بعد اخر هو البعد الانساني المختبئ بعمق خلف الرتبة العسكرية الصارمة. لقد شاهدنا جميعا تلك اللحظة التي لم تكن فيها محاولاته للسيطرة على انفعالاته ناجحة تماما وراينا كيف ان الملامح لم تستطع اخفاء تأثرها العميق بما رأته عيناه وما سمعته أذناه وما شعر به قلبه. لقد كان مزيجا نادرا بين الحزم والثبات اللذين تفرضهما طبيعة القيادة في زمن الحرب وضرورة حفظ الهيبة العسكرية وبين مرارة الحزن ووطأة الهم على من فقدوا منازلهم وممتلكاتهم وكل شيء.
​تلك اللمحة الابوية الصادقة التي عبرت في عينيه كشفت لي وللكثيرين عن ان هذه مسؤولية تتجاوز حدود المنصب السياسي او العسكري انها مسؤولية اخلاقية سامية تجاه ابناء هذا الوطن الذين يكتوون  بنار الحرب  والنزوح واللجوء. في تلك اللحظة تجسد البرهان ليس كقائد عام للقوات المسلحة فحسب بل كأب يحمل على كتفيه هموم ابنائه وكرجل يستشعر قيمة الحياة ومرارة الفقد الذي يعانيه شعبنا. هذا التعبير الانساني العفوي يؤكدان وراء كل قائد قرار مصيري يتحمل ثقيل  ووراءه قلب ينزف بصمت على شعبه في زمن اصبح فيه القادة الحقيقيون عملة نادرة في محيط اقليمي مضطرب يعج بالفتن والمؤامرات.
​بهذه المشاهد ادركنا ان ما يقوم به البرهان ليس صراعا على سلطة زائلة بل هو صراع وجود وحياة او موت لهذا الوطن وهذا الصراع يحتاج منا جميعا الى دعم وطني واسع يتجاوز كل الخلافات السياسية اللحظية والمناوشات الفكرية والتباينات الحزبية. فالقضية في جوهرها اعمق واكبر بكثير من مجرد خلاف على طريقة تقاسم السلطة او مقارعة في الافكار السياسية انها قضية بقاء السودان موحدا عزيزا سيدا على ارضه.
​مهما كانت انتقاداتي الماضية أو تحفظاتي الحالية على طريقة إدارة المرحلة فان الحقيقة التي يجب ان اتمسك بها واعلي صوتها هي ان الرجل يقف كآخر سد امام فيضان التفكيك ولا يمكن ولا يجوز لنا ان نتركه وحيدا في مواجهة طوفان الاطماع الخارجية والعملاء الداخليين الذين باعوا ضمائرهم وارتهنوا لمصالح الغرباء. لا يمكننا ان نقف متفرجين بينما يتم استنزاف هذا القائد وحيدا في معركة وجودنا.
​ سيدي القائد ان شعب السودان في كل لحظة يقول لك لست وحدك ما دام همك الأول والأخير هو شعبك وكرامة وطنك وسلامة ترابه.
سيدي القايد ان الوطنيين الشرفاء الذين يضعون مصلحة السودان فوق اي اعتبار اخر وفوق كل المصالح الحزبية والشخصية الضيقة هم سندك وقوتك الحقيقية وهم الظهير الذي لا ينكسر.
​فلتبقى عيناك ساهرة وقلبك محتسبا وصوتك عاليا. ان التاريخ سيسجل الانتصارات التي سيحققها جيشنا ووطننا ويسجل ايضا تلك اللحظات الانسانية النادرة التي كشفت عن صدق المسؤولية وسمو الغاية التي تقاتل من اجلها. اليوم  الوطن ينادي كل ابنائه للوقوف صفا واحدا خلف جيشه حتى ينجلي غبار المعركة تماما وتعود شمس الأمان مشرقة ويعود السودان الى اهله حرا موحدا سيدا كريما معافى من كل داء. لا تراجع عن دعم الجيش في معركة الكرامة والوجود. واجبنا اليوم هو تجاوز الذات والخلافات الجانبية ورفع صوت الوحدة لان المعركة معركة بقاء والعدو يتربص بنا من كل حدب وصوب وكل لحظة تقصير هي ثغرة في جدار الوطن.

search