"أون سودان" ترصد الخرطوم بعد العاصفة.. أم درمان تنهض من الرماد وتاجر وبائعة شاي يرسمان الأمل
الثلاثاء، 11 نوفمبر 2025 09:36 ص
بائعة الشاي
الخرطوم : اجلال اسماعيل
في قلب العاصمة المثلثة، تتباين المشاهد كأن الداخل يتجوّل بين ثلاثة عوالم متجاورة. فبينما تبدو الحياة في أم درمان وكأنها تحاول استعادة إيقاعها، تقف الخرطوم في حالة صمت ثقيل، نصفُها يئن تحت وطأة الخراب ونصفها الآخر يتحسّس طريقه إلى الضوء. أما بحري، فتعزف لحنًا وسطًا بين الحذر والأمل. جولة “أون سودان” تنقُل صورة واقعية، بلا تهويل ولا تجميل، لما تبقى وما يمكن أن يعود.
أم درمان.. شارع ينهض من الرماد
من صينية كبرى الحلفايا وحتى امتداد شارع الوادي، يبدو المشهد مفعمًا بالحياة على نحو يذكّر بزمن ما قبل الحرب. المحال التجارية مفتوحة، ومحلات الذهب تلمع في واجهاتها كأنها تتحدى ذاكرة الأيام الثقيلة. الكافتيريات والمولات تضج بالزوّار، حركة السير منتظمة نسبيًا، وصوت “الكمسنجية” يتردّد بنبرة أكثر هدوءًا مما اعتاده الناس قبل الحرب، لكنه حاضر.
وفي الشهداء، تتراجع وتيرة الحركة قليلًا، إلا أن أصحاب المهن اليومية – من باعة الليمون إلى الباعة المتجولين – ما زالوا يمارسون طقوس رزقهم اليومي بصبر لا يُهزم.
بوابة العبور نحو الخرطوم.. مدينة تبحث عن نبضها
الانتقال من أم درمان إلى الخرطوم سهل نسبيًا، إلا أنّ عبور الجسر يشبه الدخول إلى زمنٍ آخر. عند مداخل العاصمة تبدو الطرق بلا ساكن، المباني كأنها وحدها تراقب الفراغ، والهواء محمّل بذكريات الأيام الماضية.
ومع الاقتراب من جامعة النيلين، يتغيّر المشهد. الطلاب يعودون لإجراء الامتحانات، الأبنية تستعيد شيئًا من الصخب الأكاديمي، وصوت الحراك الطلابي ينساب من بوابة الجامعة حتى نهاية شارع الجامعة. لكن ما إن يغادر المرء تلك المنطقة، حتى يعود الصمت من جديد، صمتٌ ثقيل يتسلل إلى وسط الخرطوم ويحتل شوارعها، خاصة شارع الصحف الذي أصبح خاليًا إلا من بقايا الركام وأبواب الصحف المفتوحة على غيابها.
شارع المك نمر.. طيبة بائعة الشاي ومقاومة الحياة
في شارع المك نمر، تجلس “طيبة” بائعة الشاي الشهيرة في شارع الجرايد، مثل علامة من علامات الخرطوم القديمة.
تحكي بابتسامة متعبة:
“أول الأيام كنت بجي من الحاج يوسف لحد هنا.. زبون واحد أو اثنين بالكثير. هسه الحمد لله الناس بقت تزيد والحركة أحسن.”
صوتها يحمل قوة لا تخطئها العين. حياة كاملة تختصرها في مسافة يومية طويلة بين الخراب والأمل. ودّعتنا على أمل اللقاء، وعلى أمل أن يعود شارع الجرايد إلى ضجيجه وكتبه وأوراقه وصور الصحفيين وروائح الحبر.
بحري.. ملامح مدينة تعاند الخوف
في بحري، يرتفع الإيقاع أكثر مما هو عليه في الخرطوم. الحياة تتقدّم على هدوء وحذر، لكنها تتقدم.
دخلنا سوق بحري، فوجدنا أبوابًا قليلة مفتوحة، وأخرى تنتظر قرار أصحابها.
“فتحت قبل أسبوعين.. الحياة بدت ترجع”، يقول صاحب مكتبة بحري الحديثة، بابتسامة تشير إلى التصميم أكثر من الطمأنينة.
يوجّه رسالته عبر “أون سودان” إلى بقية التجار:
“ارجعوا افتحوا محلاتكم.. السوق ما برجع إلا بيكم.”
داخل السوق، يغيب ضجيج مكرفونات “أصحاب الترابيز” الذين لطالما ملأوا المكان بأسعارهم المنادية. الحركة أقل من المعتاد، لكنها موجودة. السير طبيعي، والأمن ملموس في دورياته ووجوده الصامت بين الأزقة
الأمل في وجه العاصفة
بين أم درمان التي تنهض بقوة، والخرطوم التي تمشي على أطراف الذاكرة، وبحري التي تعيش وسط المسافة، ترسم العاصمة المثلثة صورة واقعية لما بعد العاصفة.
الناس هنا يواصلون الحياة ليس لأن الظروف تسمح، بل لأنهم لا يعرفون طريقًا آخر.
وفي تفاصيل الوجوه – من البائع المتجول إلى طيبة بائعة الشاي، ومن صاحب المكتبة إلى الطالب العائد لامتحانه – تستقر حقيقة واحدة:
أن الخرطوم، رغم الصمت، ما زالت تتنفس.. وأن نبضها سيعود، ولو على استحياء، حتى يشتد من جديد.



نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
كجونكات حتى الممات .. أحمد الصادق يعود من جديد ويغني للسودانيين في الحرب من القاهرة
14 نوفمبر 2025 10:31 ص
تسابيح مبارك تلتقط الصور وسط الأهالي في نيالا .. وكأنها أنجلينا جولي
10 نوفمبر 2025 11:45 ص
الأكثر قراءة
-
عبد الله أبوعلامة محمد يكتب: وجع الكتابة… البرهان حردان كما حرد عبود من قبل
-
كجونكات حتى الممات .. أحمد الصادق يعود من جديد ويغني للسودانيين في الحرب من القاهرة
-
شاب يقتل 6 أشخاص من عائلته رميا بالرصاص في الخرطوم
-
مليشيا الدعم اعتقلت 3 وزراء في حكومة شمال دارفور واغتالت مفوض العون الإنساني
-
مدير محلية دنقلا يرحب بالوفد الإعلامي: السلطة الأولى في معركة الكرامة
أكثر الكلمات انتشاراً