سيف الإسلام عبدالله يكتب: وهم الحياد وصمت الفاعلين
الثلاثاء، 11 نوفمبر 2025 01:48 م
سيف الاسلام عبد الله
بات المشهد السوداني مسرح مكشوف لتواطؤ دولي صريح أو على الأقل حياد سلبي يقارب الجريمة. الحديث عن الرباعية أو ما يسمى بالقوى المؤثرة في الشأن السوداني على أنها أطراف تسعى بجدية لوقف الحرب هو مجرد وهم يروجه من يستميت في بيع الأجندة الأجنبية على حساب الدم المسفوك. فلو كانت هذه الرباعية جادة حقاً، لكانت تملك ورقة ضغط حاسمة وبسيطة وهي وقف تدفق السلاح والدعم اللوجستي والمقاتلين المرتزقة لمليشيا وعصابات الجنجويد. لكن هذا لم يحدث ولن يحدث طالما أن المتاجرة باستمرار الحرب تحقق مصالح اقتصادية وسياسية لهذه الدول أو لداعميها الإقليميين. إن استمرار هذا التدفق هو دليل إدانة صريح لعدم رغبة تلك القوى في إنهاء المأساة، بل ربما في استمرارها لغايات أبعد من مجرد (السلام الإنساني) العابر.
لا يمكن لأي متابع منصف أن يغفل الحقيقة القاسية وهي أنه ليس هناك قوة مؤثرة حقيقية تقف مع السودان أو تملك إرادة سياسية لإيقاف الحرب بمعزل عن القرارات المفروضة التي يتم صياغتها لتناسب أجندة المتدخلين. إن قيادة الدولة والحكومة والجيش تقف اليوم الموقف الصحيح الذي ينسجم مع المطالب الشعبية بضرورة حماية الوطن من التدمير الممنهج الذي تمارسه الميليشيا المدعومة من أعداء الوطن. إن من يروجون لضرورة الجلوس والتفاوض تحت التهديد أو يدعون للهدن التي لا تخدم سوى المليشيا لإعادة التموضع والتموين يفقدون كل رصيد سابق من المصداقية بين الشعب الذي اكتوى بنار السرقة والقتل والاغتصاب.
هل يعتقد هؤلاء أن مجرد هدنة إنسانية ستعيد حقوق الشعب السوداني الذي سرقت ممتلكاته وانتهكت أعراضه وقتل شبابه؟ أي منطق هذا؟ الميليشيا المدعومة بأموال وسلاح دولة الشر تعرف الهدنة الإنسانية فقط كفرصة لالتقاط الأنفاس بينما هي تحاصر القرى والفرقان والمدن وتستمر في نهجها التدميري منذ ما يقارب العامين. لو كانت النية صادقة لدى الرباعية أو من تسميهم القوى الدولية الفاعلة لتم إيقاف تدفق السلاح فوراً وبأثر رجعي وهو ما يمكن تحقيقه في ساعات لو كانت الإرادة حاضرة.
تلك الدول التي تشكل الرباعية كانت تتفرج على مشاهد القتل والسرقة واحتلال البيوت واغتصاب النساء في وضح النهار. ولم تحرك ساكناً في إدانة إرهاب الميليشيا بشكل واضح ولم تصل بها الجرأة إلى تصنيفها في قوائم الإرهاب ولم تكلف نفسها عناء مراقبة دويلة الشر التي ثبت تورطها في الحرب عبر تقارير أممية ومنظمات دولية وكبرى وصحف امريكية وبريطانية وفرنسية. هذا التغاضي ليس حياداً بل هو شراكة صامتة في الجريمة.
أما عن أمريكا التي يصفها البعض بأنها تعمل من أجل السلام في السودان فهي ذاتها التي تمارس التهديد والابتزاز على الدول الأفريقية وتطبق نفس السيناريوهات الفاشلة التي طبقتها في أفغانستان. هذا الدور يقوده مبعوث جاهل تاجر خردة متأمر كل مؤهلاته انه يرتبط بصلة عائلية بالقياده وكان الأجدر به الاهتمام بشؤون بلده الأصل لبنان بدلاً من العبث بمستقبل دولة بحجم السودان. إن هذا التدخل الأمريكي المشوه والمنحاز لا يزيد المشهد إلا تعقيداً ويزيد من قناعة السودانيين بأنهم وحدهم من يجب أن يديروا معركتهم ويدافعوا عن وطنهم بعيداً عن وهم الدعم الدولي أو حياد القوى الفاعلة التي أثبتت الأيام أنها أدوات لتمويل الحرب واستدامتها وليست وسائل لوقفها. إن الرباعية ليست سوى غطاءً لدعم أجندات إقليمية تسعى لتدمير الدولة السودانية وعلى الشعب السوداني وقادته أن يدركوا أن الحل الوحيد يكمن في وحدة الصف والاعتماد على الذات لكسر شوكة الميليشيا ومن يقف وراءها. هذه الحقيقة المرعبة.يجب أن تكون منطلق أي حوار مستقبلي جاد.
إن صمت المحافل الدولية عن جريمة إغراق السودان بالسلاح والدعم اللوجستي هو ضوء أخضر مميت لإطالة أمد النزاع. هذا الصمت المطبق ليس عجزاً بل هو قرار متعمد يهدف إلى استنزاف الدولة المركزية وتحويل السودان إلى مساحة خاوية يسهل نهب ثرواتها وموقعها الاستراتيجي. إنهم يتحدثون عن السلام بلسان ويطعنون في خاصرة الوطن باليد الأخرى. أي سلام هذا الذي يبنى على دماء الأبرياء وأشلاء الضحايا؟ إن الحديث عن عملية تفاوضية في ظل استمرار الدعم للمعتدي هو سخرية من العقول واستهانة بالكرامة الوطنية.
نحن أمام مشهد دولي مفضوح حيث تتشابك خيوط المصالح القذرة لتمويل آلة حرب تدميرية.
في الوقت الذي يجلسون فيه لفرض الهدنه المرتزقة يتدفقون بلا رادع والسلاح يمر عبر الممرات الجوية والبرية والبحرية دون أن ترف لهيئة دولية جفن أو يتحرك ضمير لمؤسسة تدعي الإنسانية. أين قرارات الأمم المتحدة التي تزعم أنها تدعم الأمن والسلم الدوليين؟ إنها مجرد حبر على ورق يتم تفعيله أو تجميده وفقاً لأهواء القوى الكبرى التي ترى في فوضى السودان فرصة لتثبيت نفوذها وإزاحة المنافسين.
الميليشيا ليست كياناً سودانياً أصيلاً بل هي ذراع إجرامي ينفذ أجندة خارجية تهدف إلى تفتيت النسيج الاجتماعي وإشعال فتنة جهوية لا تبقي ولا تذر. إنها حرب بالوكالة تدفع فيها الأمة السودانية ثمناً باهظاً من لحمها ودمها وثرواتها. ومن يطالبون الجيش الوطني بالتفاوض مع هذه العصابات إنما يطالبون الدولة بالاستسلام للمشروع الإقليمي التدميري. التفاوض في هذا السياق هو شرعنة للقتل والسرقة والاغتصاب واعتراف ضمني بحق الميليشيا في امتلاك السلاح والسلطة بالقوة الغاشمة المدعومة من الخارج
إن تلك المؤسسات المالية الدولية التي تلوح بالعقوبات والتهديدات هي أدوات للضغط السياسي لفرض إملاءات تخدم مصالح الممولين. إنهم يهددون الشعب السوداني بمزيد من العزلة الاقتصادية بينما هم يتفرجون على تدمير البنية التحتية ونهب البنك المركزي واحتلال المصانع والمنازل. هذا التناقض الصارخ لا يمكن أن يمر مرور الكرام. إنه يرسخ قناعة راسخة اصلا بأن المجتمع الدولي ليس شريكاً محايداً بل هو طرف في المعادلة يسعى لفرض إرادته بالقوة الناعمة والخشنة.
لقد سقط قناع الحياد للأبد وتكشفت الأوراق. لم يعد هناك مجال لوهم التدخل النزيه أو القوة الفاعلة التي تريد الخير للسودان. القوى الدولية الفاعلة هي نفسها القوى المتواطئة التي تستثمر في الفوضى وتراهن على انهيار الدولة. إن معركة السودان هي معركة وجود وليست مجرد نزاع على السلطة.
و الموقف الوطني الصارم اليوم هو رفض أي مسار تفاوضي لا يسبقه وقف كامل وفوري لتدفق السلاح والمرتزقة وانسحاب الميليشيا من كل المدن والبيوت والمرافق المدنية. لا يمكن بناء سلام مستدام على جثث الضحايا وحطام الوطن. الحل الوحيد هو الكفاح الوطني الصادق والاعتماد على النفس وتوحيد الجبهة. هذه هي الحقيقة التي يجب أن تترسخ في عقول الناس والشعب . لا سلام تحت التهديد ولا تفاوض مع القتلة. ليعلم العالم أجمع أن السودان لن يكون كعكة تقسم على موائد الصفقات المشبوهة. إنها معركة الكرامة التي لا تقبل القسمة ولا التهاون.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
منارة لصوت الشرق الثري.. الإعيسر يدشن المركز الإقليمي للإذاعة والتلفزيون بالبحر الأحمر
20 نوفمبر 2025 02:28 م
الفنانة السودانية مونيكا روبرت: معظم النساء المتزوجات خائنات وأعرف منقبة تتزوج عرفي كل يومين
17 نوفمبر 2025 01:04 م
بودكاست "الحاصل شنو" .. رشان أوشي تضيء لكم شمعة في ضباب الأحداث وعتمة الحرب
16 نوفمبر 2025 10:54 ص
كجونكات حتى الممات .. أحمد الصادق يعود من جديد ويغني للسودانيين في الحرب من القاهرة
14 نوفمبر 2025 10:31 ص
تسابيح مبارك تلتقط الصور وسط الأهالي في نيالا .. وكأنها أنجلينا جولي
10 نوفمبر 2025 11:45 ص
الأكثر قراءة
-
وصول 1650 سودانيًا من مصر يوم الخميس .. وإقبال كبير على التسجيل للعودة الطوعية
-
سقوط شبكة لتهريب البشر والقبض على 4 مجرمين وتحرير 19 رهينة في كسلا
-
موعد بداية العام الدراسي الجديد في الخرطوم ونهايته
-
بالأسماء .. القوائم الجديدة للطلاب السودانيين المسموح لهم بالدراسة في مصر
-
تحذير إلى أهالي بورتسودان وسواكن .. الزموا بيوتكم
أكثر الكلمات انتشاراً