د. حسين عمر عثمان يكتب: الفاشر تفتح عيون العالم على جراح السودان – وغدًا نعود
الإثنين، 17 نوفمبر 2025 12:06 م
د. حسين عمر عثمان
منذ أكثر من عامين من الحرب التي عصفت بالسودان، وبدّلت ملامح المدن والقرى، وأحالت الحياة إلى رحلة قاسية بين الخوف والنجاة، يقف الشعب السوداني اليوم على أعتاب تحوّل لا يمكن تجاهله، تحوّلٌ صنعته معاناة الفاشر، وصوت الضحايا، ودموع النازحين، وتحركات أبناء السودان في مختلف أنحاء العالم، وتغيّر المزاج الدولي والتعاطف الشعبي الذي بدأ ينصت أخيرًا لصوت الحقيقة وتغطية أخبار السودان بوسائل الإعلام العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي. لقد صار العالم أكثر وعيًا بما يجري، وأكثر جرأة في تسمية الأشياء بأسمائها، وقد ظهر ذلك في اجتماعات مجلس الأمن، ومجلس حقوق الإنسان الذي انتهى بقرار تكوين لجنة تقصّي حقائق حول أحداث الفاشر، بعد أن سقطت الأقنعة وتكشفت المأساة. وفي قلب هذا الليل الطويل، تعود كلمات الأغنية السودانية للعطبراوي لتذكّر السودانيين بأنهم ليسوا ضعافًا ولا منكسرين، و"غدًا نعود" كلماتٌ كُتبت في سياق مختلف، لكنها اليوم تشبه صوت السودان كله، وتختصر صبر الناس وهم يمضون في الطرقات الموحشة، يجرّون جراحهم دون أن يفقدوا القدرة على الحلم. ورغم مرارة الواقع، إلا أن التحوّلات الأخيرة في مواقف الدول والمنظمات الإقليمية والدولية والشعوب تُرسل إشارة واضحة: هذه الحرب لم تعد منسية، وما حدث في الفاشر كان نقطة تحوّل أعادت تعريف المشهد كله. وللمرة الأولى يشعر الناس أن العالم، بكل ثقله، بدأ يرى الحقيقة التي تجاهلها طويلًا، وأن التعاطف الذي احتبس في صدور الشعوب بدأ يفيض نحو السودان. ومع ذلك، يظل الأمل السوداني الحقيقي ليس في بيانات الدول ولا في اجتماعات العواصم، بل في قدرة الناس أنفسهم على البقاء واقفين رغم الانكسار، وصامدين رغم النزيف، يحلمون بيومٍ يعودون فيه إلى ديارهم. وحين تنطفئ نيران الحرب، سيعود أهل دارفور إلى دار أنوكة، وإلى جبل مرة، وإلى الفاشر، ونيالا، وزالنجي، وسيعود أهل كردفان إلى النهود، وبارا، وكادقلي، والدلنج، وستعود الخرطوم لتفتح قلبها من جديد على شارع النيل ومقرن النيلين، وسيمتلئ الوطن من أقصاه إلى أقصاه بأقدام لا تريد سوى الحياة. سيعود الأطفال إلى مدارسهم، والنساء إلى نوافذ الصباح، والمزارعون إلى حقولهم، والتجار إلى أسواقهم، والطلاب إلى جامعاتهم، وستعود البيوت التي فرّقتها الحرب لتجمع شملها من جديد. سيعود الناس لأن السودان، حتى وهو في قاع الألم، لم يكن يومًا وطنًا يُهزم، بل وطنًا يتنفس بالصبر ويقاوم بالفطرة العميقة التي علّمته أن الفجر لا بد أن يأتي مهما طال الليل. سينهض السودان من تحت الركام، لأن الإيمان بالسودان لا يتزحزح، ولأن العودة ليست احتمالًا، بل وعدًا يكتبه الناس بدمهم وثباتهم ودموعهم وصبرهم. وهكذا، في لحظة يبدو فيها العالم أكثر وعيًا، ويبدو الليل أقرب إلى نهايته، يوشك السودان أن يفتح صفحة جديدة، صفحة سيكتب فيها أبناؤه تاريخًا آخر، أقل وجعًا، وأكثر ضوءًا، وأكثر إنسانية، تاريخًا يبدأ من دارفور ويمتد إلى كردفان والخرطوم وكل مدينة تنتظر أبناءها لتعود إليها الحياة. وفي الطريق إلى ذلك اليوم، يبقى الأمل هو السلاح الوحيد الذي لم يتلوث، واليقين هو الجسر الذي يعبر به السودانيون من رماد الحرب إلى فسحة السلام.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
الفنانة السودانية مونيكا روبرت: معظم النساء المتزوجات خائنات وأعرف منقبة تتزوج عرفي كل يومين
17 نوفمبر 2025 01:04 م
بودكاست "الحاصل شنو" .. رشان أوشي تضيء لكم شمعة في ضباب الأحداث وعتمة الحرب
16 نوفمبر 2025 10:54 ص
كجونكات حتى الممات .. أحمد الصادق يعود من جديد ويغني للسودانيين في الحرب من القاهرة
14 نوفمبر 2025 10:31 ص
تسابيح مبارك تلتقط الصور وسط الأهالي في نيالا .. وكأنها أنجلينا جولي
10 نوفمبر 2025 11:45 ص
المدير التنفيذي لأم درمان يتفقد أعمال النظافة والتأهيل بالمسرح القومي
08 نوفمبر 2025 01:37 م
رغم الحرب والخسائر… سيدة سودانية ترفض مغادرة وطنها: "ما بلقي زي السودان دا"
25 أكتوبر 2025 04:21 م
الأكثر قراءة
-
عاجل .. الجيش السوداني يحرر أم سيالة وأم سنطة بشمال كردفان وبارا تقترب
-
حزب المؤتمر: القوات المسلحة لا تحتاج إلى هدنة ولن نسلم البشير
-
د. حسين عمر عثمان يكتب: الفاشر تفتح عيون العالم على جراح السودان – وغدًا نعود
-
الإدارة العامة للإمداد تنتقل لمقرها الرئيسي بضاحية جبرة جنوبي الخرطوم
-
الفنانة السودانية مونيكا روبرت: معظم النساء المتزوجات خائنات وأعرف منقبة تتزوج عرفي كل يومين
أكثر الكلمات انتشاراً