رشان أوشي تكتب: الإمارات والسودان| جغرافيا الذهب وخرائط القوة_(١).. لماذا تحاول المليشيا السيطرة على "بابنوسة"؟
الخميس، 04 ديسمبر 2025 09:56 ص
رشأن أوشي
في الهضاب الممتدة بين كردفان ودارفور، تنفتح واحدة من أعقد خرائط النفوذ الإقليمي في السودان؛ ليس الحديث هنا عن صراع عابر، بل عن إعادة هندسة مجتمعية، تسعى فيها "ابوظبي" إلى إعادة تشكيل ممرات الموارد عبر استثمار هشاشة الدولة السودانية وحالة التفكك الأهلي.
إن محاولة الاستيلاء على "بابنوسة" تؤكد أن الإمارات في سباق محموم لتثبيت نفوذها في كردفان بعد سقوط دارفور في الفوضى.
إقليم كردفان، الذي طالما اشتهر بتنوعه الثقافي والعرقي، تحول إلى منطقة مفتوحة لإعادة الإنتاج السياسي والعسكري لشبكات الذهب، ولممرات تصديره عبر جنوب السودان وكينيا وصولاً إلى دبي. ولأكثر من عشر سنوات ظل "عبدالعزيز الحلو" يحكم سيطرته على العديد من مناجم الذهب في جنوب كردفان.
من أجل ذلك، نسجت أبوظبي خريطة وعود سياسية مع مختلف الفاعلين المسلحين في إقليمي دارفور وكردفان، حملت ملامح مشروع رسم هندسة سكانية جديدة.
"آل دقلو" وعدوا بأرض دارفور لإقامة كيان يجمع عرب الشتات الإفريقي، والحلو تلقى وعوداً بكردفان الجنوبية، فيما تلقى قادة "المسيرية" المتحالفون مع "آل دقلو" تعهّدات غير معلنة بمنحهم كردفان الغربية.
هذه الوعود عبارة عن محاولة لإعادة هندسة المجالين السياسي والاجتماعي في غرب السودان وفق تحالفات ما بعد الدولة، حيث تتداخل سلطة المليشيا مع شبكات السوق ومع حسابات الجغرافيا الاستراتيجية.
ولهذا تسعى مليشيا "الدعم السريع" إلى السيطرة على "بابنوسة"، لتهدئة تذمر مقاتلي "المسيرية" الذين طالما اشتكوا من التمييز داخل البنية القيادية للمليشيا بينهم وبين ضباط "الماهرية"، سواء في الرتب العسكرية، أو الرواتب، أو علاج الجرحى، أو توزيع الغنائم. إنها ليست خطوة ميدانية فحسب، بل محاولة لضبط التوازنات الداخلية للمليشيا قبل أي تفاوض أو إعادة توزيع للنفوذ.
وتشير القراءة الأوسع إلى أن الإمارات تبحث عن حزام نفوذ يبدأ من كردفان ويمتد حتى تشاد، في محاولة لإغلاق المجال أمام المشاريع السعودية الصاعدة في البحر الأحمر والساحل السوداني.
لكن هذا المشروع يصطدم بجغرافيا اجتماعية معقدة، وببنى قبلية لا تخضع لمنطق التحالفات الخارجية بسهولة. فالإمارات ستدخل منطقة مثقلة بتاريخ طويل من العشائرية، وبنزاعات متجذرة بين الرعاة والمزارعين، وبجراح مفتوحة لم تندمل منذ الحرب الأولى في دارفور.
قبل أسابيع أعلنت حركة "عبد الواحد نور" إدارة مدنية مستقلة لجبل مرة، مقرها "نيرتتي"، في خطوة شكّلت انقلاباً على سلطة الدعم السريع في نيالا. وهكذا أصبحت دارفور، عملياً، فضاء سياسي منقسم:
دولة جبل مرة بقيادة "عبدالواحد"، ودولة "آل دقلو" التي تستند إلى مليشيا عابرة للحدود أكثر من اعتمادها على إدارة مدنية.
ليست هذه مجرد ازدواجية سلطة، بل حالة تفكك بنيوي تعيد رسم خريطة الحكم في الإقليم بأدوات ما بعد الدولة، حيث تغيب المؤسسات ويتقدم السلاح.
أما في كردفان، فإن الحسابات أكثر تعقيداً. فالنوبة، الذين تشكّلت هويتهم السياسية على عقيدة المقاومة والصمود، لن يفرطوا في أرضهم مهما تعاظمت الوعود الخارجية. وسيجد "عبد العزيز الحلو" نفسه، أمام ضغط مزدوج: من شعب النوبة الذي نشأ على الدفاع عن الجبال والسهول، ومن المسيرية الذين يملكون امتدادات رعوية واسعة تمتد من الغرب إلى تخوم بحر العرب.
إنها معادلة استحالة سياسية؛ فالإقليم ليس صفحة بيضاء يعاد رسمها وفق تصورات الإمارات أو غيرها.
ما يجري اليوم في السودان هو صراع على الجغرافيا، لكنه أيضاً صراع على الذاكرة والهوية والموارد. مشروع الحزام الإماراتي لن يمر بسهولة، لأنه يواجه مجتمعات ترى الأرض امتداداً لكرامتها ووجودها.
في كردفان ودارفور، كل قبيلة خريطة، وكل جبل تاريخ، وكل واد حدود سياسية غير مكتوبة. ولذلك فإن أي قوة خارجية ستكتشف أن النفوذ في هذه الأرض لا ينتزع بالسلاح فقط، بل بموافقة المجتمعات الأصلية… وهذه هي العقدة التي لم تُحل بعد.
غداً نكتب: المشروع الإماراتي في سهل البطانة… المشروع الذي أفشله "كيكل" بانسحابه من الدعم السريع.
محبتي واحترامي.
https://www.facebook.com/share/p/1DXDow3hY1/
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
بالتوب الأزرق والذهبي.. هدى تشعل السوشيال بإطلالة ساحرة وأغنية مؤثرة : "حبيتك بكل جوارحي"
04 ديسمبر 2025 10:50 ص
مونيكا روبرت تخطف عقول السودانيين قبل أغنيتها الجديدة بسؤال: "سيدو مين القصر"
28 نوفمبر 2025 03:28 م
"صلاة الفار" .. شيخ مصري يوضح طريقة الصلاة أثناء الجري والفرار من القتل
27 نوفمبر 2025 06:12 م
إلى أطفال الخرطوم.. استعدوا للمتنزهات والحدائق بعد إعادة تأهيلها
27 نوفمبر 2025 04:20 م
كيف تحمي نفسك من الدفتريا والطريقة الصحيحة للتطعيم؟
26 نوفمبر 2025 04:42 م
الأكثر قراءة
-
رشان أوشي تكتب: الإمارات والسودان| جغرافيا الذهب وخرائط القوة_(١).. لماذا تحاول المليشيا السيطرة على "بابنوسة"؟
-
بالتوب الأزرق والذهبي.. هدى تشعل السوشيال بإطلالة ساحرة وأغنية مؤثرة : "حبيتك بكل جوارحي"
-
رسوم التقديم للنفقة الخاصة وقبول أبناء العاملين بالجامعات .. الأوراق المطلوبة وطريقة التقديم
-
الحكم بالإعدام شنقًا على رئيس المجلس التأسيسي بحكومة المليشيا التي شكلتها بالخرطوم
-
غرب كردفان تحتفي ببسالة الفرقة 22 وتطالب بمحاسة مليشيا الدعم المتمردة دوليًا
أكثر الكلمات انتشاراً