د. عصام الدين بدري يكتب.. التدخل الأمريكي (2)

الأربعاء، 10 ديسمبر 2025 10:34 م

عصام الدين بدري

عصام الدين بدري

يتحدث الناس ويتساءلون عن التدخل الأمريكي: كيف سيكون؟ وما هي خريطة الطريق التي سيقدمها الرئيس الأمريكي ترامب باعتباره هو من تولى الملف بنفسه، كما صرّح بذلك وزير الخارجية الأمريكي.

بغض النظر عمّا يُنشر هنا وهناك عن المبادرة الأمريكية، يجب الأخذ في الاعتبار أن أمريكا لا تتدخل إلا لحفظ مصالحها والحصول على مكاسب على صعيد الاقتصاد والأمن القومي الأمريكي. وكما صرّح كاميرون هيدسون، المسؤول السابق في البيت الأبيض، فإن ترامب يهتم بصناعة الصفقات وليس صناعة السلام. هذه العبارة توضح لنا معالم المبادرة الأمريكية؛ فهي بلا شك ستكون صفقة، وحتى تكون الصفقة مجزية فإن الرئيس ترامب سيقوم بالضغط على الطرف الثاني "الحكومة السودانية" حتى ترضخ لكل العروض والشروط وإن كانت مجحفة.

بالطبع هناك أمر آخر يعتبر دافعًا رئيسيًا للتدخل الأمريكي، وهو مواجهة ما تسميه أمريكا النفوذ الأجنبي في الإقليم، وليس أدلّ على ذلك من القانون الذي سنّه الكونغرس الأمريكي وأدرج فيه بندًا خاصًا بالسودان تحت عنوان: "خطة لتعزيز دعم الاستخبارات لمواجهة النفوذ الأجنبي الذي يهدف إلى استمرار أو توسيع النزاع في السودان". هذا القانون طالب بموجبه مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، وبالتشاور مع بقية أجهزة الاستخبارات الأمريكية، بتطوير خطة متكاملة خلال 90 يومًا
تتضمن مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الحلفاء الإقليميين والشركاء الدوليين حول أي جهود أجنبية تهدف إلى إطالة أمد الحرب في السودان، بما في ذلك خفض تصنيف السرية أو رفع السرية عن معلومات محددة عند الضرورة بهدف تعزيز التنسيق الأمني،
وجمع وتحليل معلومات استخباراتية إضافية تمكّن الحكومة الأمريكية من إحباط محاولات خارجية لتغذية الصراع السوداني أو توسيعه، في خطوة تستهدف حماية الأمن الوطني الأمريكي والاستقرار الإقليمي.

من جانب آخر، يبرز أمن إسرائيل والبحر الأحمر عاملًا مهمًا في التدخل الأمريكي، فإسرائيل، الحليف الاستراتيجي لأمريكا في المنطقة، تعتبر البحر الأحمر ممرًا حيويًا لها ولن تفرط فيه، وهي استراتيجية تبنتها بعد عملية الخنق الاستراتيجي التي تعرضت له في ١٩٧٣م.

موضوع الموارد الطبيعية الكثيرة والمتنوعة في الأراضي السودانية سيكون حاضرًا بقوة، خاصة فيما يتعلق بإعادة الإعمار والاستثمارات، فما قامت هذه الحرب إلا بسبب الصراع على هذه الموارد، ومن المعروف أن الرئيس الأمريكي يتخذ أساليب لتحقيق أهدافه السياسية بنفس الطريقة التي يدير بها شركاته وأعماله التجارية الخاصة.

في ظل هذه المعطيات، تبدو الخيارات أمام الحكومة السودانية واضحة ومحدودة في الوقت نفسه؛ فالتعامل مع الإدارة الأمريكية أمر مهم إن لم يكن حتميًا، وذلك لأنها هي من تملك قرار وقف تدفق السلاح والدعم اللوجستي للمليشيا وبالتالي وقف الحرب، ومن جهة أخرى تراجع المعسكر الشرقي في ظل انشغال روسيا بالحرب وعدم الاهتمام الصيني بقضايا المنطقة.

تقع على عاتق الخارجية السودانية مهمة كبيرة وشاقة تتطلب عملًا دؤوبًا لوضع خطة متكاملة لفتح حوار مباشر مع الإدارة الأمريكية يحفظ حقوق السودان وشعبه وسيادة البلاد وكرامة أهلها، فلا شك بأن الحوار سيكون صعبًا، والشروط ستكون مجحفة، والأمور معقدة.

أي مبادرة تتضمن تواجد "الدعم السريع" في المشهد السياسي بعد الحرب، أو تمسّ الجيش السوداني وسيادة البلاد بأي قدر، غير مرحّب بها ومرفوضة من جانب السودانيين. وعلى الصعيد السياسي يجب أن يكون هناك حوار سوداني–سوداني لا يُستثنى منه أحد، ينتهي إلى إجماع سوداني على طريقة إدارة الحكم حتى الوصول إلى انتخابات يشارك فيها الجميع.

ختامًا لا ننسى أن الوقت عامل مهم في ظل التطورات على صعيد الميدان، وربما يكون العامل الذي تلعب عليه الإدارة الأمريكية، وهنا تبرز مقدرات الحكومة السودانية في مواجهة هذا التحدي حتى الوصول لخط البداية... والله الموفق.

search