مكتول هواك يا كردفان: وداعًا عبدالقادر سالم صوت الأرض والذاكرة

الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025 02:38 م

الفنان الراحل عبدالقادر سالم

الفنان الراحل عبدالقادر سالم

بقلم: عمر دمباي

فجر اليوم، ترجل عن مسرح الحياة الفنان السوداني الكبير الدكتور عبدالقادر سالم، أحد أعمدة الغناء السوداني، بعد مسيرة فنية وإنسانية زاخرة بالعطاء والإبداع، ترك خلالها أثرًا عميقًا وبصمة لا تمحى في الوجدان الجمعي للسودانيين.

كان عبدالقادر سالم فنانًا محترمًا وبسيطًا في حضوره، عميقًا ومتفردًا في فنه، سخر صوته وإحساسه لخدمة الثقافة السودانية، وعرف الناس بكردفان حبًا وانتماءً وجمالًا، حتى صارت الأغنية عنده وطنًا مصغرًا، ومن خلال رائعته الخالدة «مكتول هواك يا كردفان» قدم صورة مكتملة للإنسان والمكان والذاكرة.

تلك الأغنية، التي قُدمت لأول مرة عام 1971، تجاوزت حدود اللحن والكلمات، لتغدو نشيدًا وجدانيًا لإقليم كردفان، وأحد أجمل ما كتب وغُني عن المدن في السودان، احتشدت مفرداتها بالمحبة الدافقة والشجن العالي، فلامست القلوب ورافقت الأجيال جيلًا بعد جيل.

وفي عام 2016، كان عبدالقادر سالم ضمن مجموعة من الفنانين الذين حلوا بجنوب كردفان، فأحيوا ليالي ثقافية في استاد كادقلي القديم، يومها ضاق الاستاد بالحضور، وتفاعل الناس مع الأغنية كما لو أنهم يسمعونها للمرة الأولى، فقد وحدت «مكتول هواك يا كردفان» شمال الإقليم وجنوبه وغربه، واستمرت الليلة حتى الواحدة فجراً، دون أن تُسمع أصوات تدوين أو إطلاق نار؛ كأن الجميع ترك السلاح جانبًا، وجاء ليستمع فقط للفن والإبداع، وليؤكد أن الجمال قادر على جمع ما تفرقه البنادق.

وتبدو المفارقة لافتة في أن شاعر الأغنية، الأستاذ عبد الجبار عبد الرحمن، ليس من كردفان، لكنه كتبها بصدق المحب العارف، بعد أن قضى ردحًا من الزمن في ربوعها، عبد الجبار عبد الرحمن محمد الشيخ، من مواليد النية جنوب الجيلي، جسد بالكلمة ما جسده عبدالقادر سالم بالصوت، عشق المكان والانتماء الإنساني العابر للجغرافيا.

رحل عبدالقادر سالم جسدًا، وبقي أثره حيًا في الذاكرة، وفي كل مرة يردد فيها:
مكتول هواك يا كردفان
نستعيد فنانًا أحب أرضه فأحبه الناس، وترك لنا فنًا يشبه السودان في صفائه وصدقه وتنوعه.

رحمه الله رحمة واسعة، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.

search