رشان أوشي تكتب: البرهان.. من الثورة إلى الدولة
السبت، 20 ديسمبر 2025 10:17 ص
رشان أوشي
في مرحلة معقدة لم تغلق فيها دفاتر الماضي بعد، ولم تكتمل فيها ملامح المستقبل، بقيت البلاد معلقة بين رغبة عميقة في الاستقرار، وذاكرة ثورية ما زالت تنبض بالحياة.
خرج الرئيس عبدالفتاح البرهان من صلب المؤسسة العسكرية إلى مشهد سياسي محمول بتناقضات ثقيلة. ومنذ تلك اللحظة، ظل السؤال مطروحًا، هل نحن أمام قائد انتقالي تؤطره ضرورات اللحظة، أم أمام محاولة جادة لتشكيل دولة تبحث عن توازنها بعد العاصفة؟.
خلافاً، لما يردده المكابرون، فإن النظام القائم اليوم هو في جوهره امتداد موضوعي لثورة ديسمبر، حتى وإن تعثرت لغته السياسية أو اختلت أدواته التنفيذية. ففي 11/إبريل/2019، لم يكن انحياز الجيش للثورة مجرد موقف تكتيكي، بل كان لحظة تأسيس لتحالف تاريخي لا ينفصل بين الشارع والجيش، صنعته الضرورة الوطنية.
من هنا، فإن التظاهرات التي خرجت أمس لا ينبغي قراءتها باعتبارها تهديد للدولة، بل بوصفها ظاهرة صحية في سياق ديمقراطي ناشئ. فهؤلاء الشباب يتظاهرون في كنف الدولة، لا خارجها، وتحت سقفها، وهذا أفضل ألف مرة من التآمر و الارتهان لأجندات الخارج.
الخطر الحقيقي لا يكمن في التظاهر، بل في أن تُدفع الدولة في لحظة الارتباك إلى التحول إلى جهاز بوليسي قمعي، فتقع القطيعة بين السلطة والشارع، وهو ما لا يحتمله السودان في هذه اللحظة الدقيقة.
في ذكرى الثورة، لا يكفي استدعاء الشعارات، بل ينبغي التقاط توق الشعب السوداني إلى تغيير حقيقي، تغيير يقود إلى دولة مستقرة لا إلى انتقال طويل الأمد، وهنا تبرز معضلة بنيوية لا يمكن القفز فوقها، لا توجد دولة في العالم تُدار بمجلس يتكوّن من أحد عشر رئيساً، في هذا الشكل الهجين، تضيع المسؤولية، ويتبخر القرار، ويصبح السؤال الأخطر بلا إجابة: من يتحمل المسؤولية التاريخية عما جرى، وما يجري، وما سيجري؟.
إن تعدد الأقطاب داخل قمة الدولة لا يخلق توازن، بل يُنتج مراكز قوى، ويغذي الاستقطاب، ويفتح الباب لصراعات داخل الدولة نفسها. ولذلك، فإن استقرار الدولة يقتضي قرارات شجاعة، مؤلمة نعم، لكنها ضرورية.
في هذا السياق، يصبح لزاماً على الرئيس عبد الفتاح البرهان أن يتقدم خطوة إلى الأمام، وأن يتخذ القرارات الصعبة التي تفرضها لحظة التأسيس لا مجاملات الرفاق، حل مجلس السيادة الانتقالي، بالتوافق مع الشركاء في المسار الوطني، وهو شرط ضروري لإعادة تعريف شكل الدولة. فالصيغة الحالية فوضوية، مرتبكة، وغير قادرة على إنتاج قرار سيادي متماسك.
أما على المستوى التنفيذي، فلا بد من قدر عال من الصراحة مع الذات الوطنية. حكومة الأمل فشلت، ليس كشخوص، بل كأداء. فمنذ تعيينها وحتى اللحظة، لم يلمس المواطن تغيير حقيقي في حياته اليومية، لا في الخدمات، ولا في الإدارة، ولا في الإحساس بأن الدولة استعادت قدرتها على الفعل.
الحقيقة التي تفرضها الوقائع على الأرض تقول إن الفريق "إبراهيم جابر" برز بوصفه رجل الدولة في هذا التوقيت العصيب. فقد أشرف على إعادة تأسيس القطاع الاقتصادي في ظروف شبه مستحيلة، ونجح خلال فترة قصيرة في انتشال العاصمة من تحت الركام.
عادت الخدمات الأساسية إلى نحو 60% من أحياء العاصمة، وبدأ الناس يعودون إلى بيوتهم، كما عاد الجهاز التنفيذي تدريجياً إلى ممارسة مهامه، في مشهد أعاد الحد الأدنى من الثقة في فكرة الدولة.
المسؤولية هنا لا تقاس بالنوايا، بل بالقدرة على التقاط روح اللحظة، وإدارة الانتقال من مناخ الثورة إلى الدولة بهدوء وحكمة، ودون قطيعة مع الشارع أو ارتهان لمجاملة التوازنات.
محبتي واحترامي
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
خالد الاعيسر ينعى الموسيقار الدكتور عبد القادر سالم
16 ديسمبر 2025 03:59 م
مكتول هواك يا كردفان: وداعًا عبدالقادر سالم صوت الأرض والذاكرة
16 ديسمبر 2025 02:38 م
وفاة الفنان عبدالقادر سالم.. صوت كردفان الأصيل يرحل عن الحياة
16 ديسمبر 2025 02:32 م
عاطف السماني يُجري عملية قسطرة بالقلب ويطمئن جمهوره على صحته
16 ديسمبر 2025 11:13 ص
رعاية رسمية لعلاج فائزة عمسيب تقديرًا لمسيرتها الفنية
15 ديسمبر 2025 12:39 م
حكومة الأمل تتكفل بعلاج الفنانة فائزة عمسيب
14 ديسمبر 2025 06:52 م
الأكثر قراءة
أكثر الكلمات انتشاراً