تراجع قواعد الأخلاق في السياسات الدولية تهديد لمستقبل الإنسانية

الأربعاء، 06 أغسطس 2025 05:14 م

د. حسين عمر عثمان

د. حسين عمر عثمان

د. حسين عمر عثمان

بقلم/ د. حسين عمر عثمان – وجهة نظر:

في زمنٍ قريب، كانت قواعد الأخلاق الدولية تضفي شيئًا من الأمل في منظومة العلاقات بين الدول. كان العالم يتحرك – ولو جزئيًا – وفق مبادئ إنسانية مثل التضامن مع الشعوب المنكوبة، واحترام الكرامة الإنسانية، ونصرة الضعفاء، وذلك رغم تباين المصالح واختلاف التحالفات. 

لكن ما نراه اليوم يدق ناقوس الخطر: تراجع  لتلك القيم لصالح منطق المصالح، والصفقات الاقتصادية، والعقليات التجارية، خاصة من قبل دول كبرى يُفترض أن تقود النظام العالمي نحو العدالة، لا إلى تفككه، وهو ما يُنذر بخطر على مستقبل الإنسانية. 

وقد انعكس هذا التحول بوضوح في الأزمات المعاصرة، ليكشف عمق الخلل في البنية الأخلاقية القيمية للنظام الدولي. 

لقد بدا هذا التحول جليًا في حرب أوكرانيا، وحصار غزة، وحرب السودان خاصة حصار الفاشر؛ حيث واجهت الشعوب في تلك الدول المآسي والحصار والتجويع والتشريد، دون أن تجد دعمًا حقيقيًا أو استجابة أخلاقية من الأسرة الدولية. غابت مبادئ العدالة والتضامن التي نصّت عليها المواثيق الدولية، وتم تجاهل حق الشعوب في الحياة الكريمة، وتراجعت الأصوات المنادية بالسلام والكرامة خلف صمت مريب أو خطابات مزدوجة المعايير.

 بل إن المشهد ازداد قتامة مع بروز شخصيات سياسية ذات نزعة تجارية، مثل الرئيس الأميركي ، الذي صاغ السياسات الخارجية بعقلية الصفقات والتبادل التجاري، لا بروح إنسانية أو مبادئ أخلاقية، وبدلًا من حماية المظلومين ومساعدة الضحايا والأبرياء، أصبحت المصالح هي المعيار الوحيد للتحرك . 

إن خطورة هذا التراجع في قواعد الأخلاق الدولية لا تكمن في كونه خللًا عابرًا، بل في كونه تحولًا بنيويًا خطيرًا، قد يؤدي إلى فقدان الثقة في النظام الدولي ومنظماته، مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن. 

وقد يُفضي ذلك إلى انتشار الفوضى العالمية، وتراجع احترام قواعد القانون الدولي لصالح "شريعة الغاب"، فضلًا عن ازدياد حدة الاستقطاب بين الشعوب، وتعاظم مشاعر الكراهية والعداء، وانهيار الأسس التي بُني عليها النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية. 

ومن هنا، فإن واجب المفكرين، والإعلاميين، والنشطاء، وكل الشعوب الحية، أن ترفع الصوت عاليًا لرفض منطق المصالح المجردة على حساب كرامة الإنسان والمتاجرة بالدماء، والدعوة إلى إعادة الاعتبار لمبادئ الأخلاق الدولية كجزء أصيل من القانون الدولي، مع الضغط من أجل إصلاح المنظمات الدولية التي أصبحت رهينة إرادة القوى الكبرى. 

كما أن من الضروري التمسك بالقيم التي نادت بها الأديان والضمائر: العدل، والرحمة، والحرية، باعتبارها ركيزة لإنقاذ ما تبقى من التوازن الإنساني العالمي. إن ما يجري في غزة، والسودان، وأوكرانيا، ليس مجرد صراع سياسي أو عسكري، بل اختبار أخلاقي للعالم بأسره. وإذا فشل فيه، فالمستقبل سيكون أكثر ظلمة وانقسامًا. 

لن تنهض الإنسانية على أكتاف التجارة والصفقات وحدها، بل تحتاج إلى اخلاق وقيم وضمير عالمي حي يعيد الاعتبار إلى الكرامة البشرية وحقوق الشعوب. وحين تتراجع الأخلاق، لا تبقى سوى الأنقاض. فهل ما زال هناك متسع لإنقاذ الضمير العالمي؟.

search