سيف الاسلام عبدالله يكتب: فظائع على ضفتي التاريخ (الخرطوم والجزيرة)

السبت، 01 نوفمبر 2025 01:55 م

سيف الاسلام عبدالله

سيف الاسلام عبدالله

إن التاريخ في السودان لا يمضي بل يعيد إنتاج مآسيه وكأنه دوامة لا تنتهي فاليوم نرى في الخرطوم والجزيرة  يشبه ما حدث قبل أكثر من قرن فالمقارنة بين الجهادية في عهد الخليفة عبدالله التعايشي وبين الجنجويد اليوم تكشف عن نموذج متكرر من القوة العسكرية ذات الأصل القبلي (البقاره) التي تستخدم العنف المفرط للوصول إلى مركز الدولة.

​الجهادية في القرن التاسع عشر كانت تسعى لبناء دولة المهدية وطرد المستعمر ولكنها لم تتردد في تدمير الخرطوم تدميراً كاملاً وسبي النساء والأطفال كغنيمة حرب وهي أفعال تركت وصمة عار في السجل الوطني ثم جاءت الكارثة الكبرى مجاعة ستة في الجزيرة التي فتكت بالآلاف نتيجة سياسات الحرب وإهمال الزراعة والقمع المستمر لقبائل النيل لفرض هيمنة التعايشي على المنطقة الوسطى كانت تلك القوة تستمد دافعها من العقيدة الدينية ولكنها انتهت إلى الاستبداد والبطش وقتل واغتصاب.

​أما الجنجويد اليوم فهي قوة ذات دوافع سلطوية واقتصادية مدعومة من الخارج للسيطرة على اقتصاد البلد لا تستند إلى مشروع ديني ولكنها تكرر ذات آليات العنف فبعد تحولها من قوة مكافحة تمرد إلى منافس على السلطة شهدت الخرطوم والجزيرة منذ عام ألفين وثلاثة وعشرين فظائع واسعة تمثلت في النهب الممنهج للمنازل والمتاجر والأسواق واغتصاب النساء وقتل المدنيين العزل بشكل موثق خاصة بعد اجتياح ود مدني لم يكن هدفهم بناء دولة بل تدمير الدولة وتفكيك مؤسساتها للاستيلاء على مقدراتها.

​الفرق الجوهري يكمن في الهدف فالتعايشي كان لديه مشروع دولة مهما كان دموياً أما الجنجويد فمشروعهم هو تدمير الدولة القائمة لتقسيم النفوذ وسرقة الموارد لكن النتيجة النهائية واحدة الضحية هي المواطن السوداني الذي يواجه عنفاً مستمراً من قوى نشأت على الأطراف ثم غزت المركز مما يؤكد أن العنف القائم على الولاء القبلي أو الجهوي عندما يغزو قلب الوطن لا يجلب إلا الدمار والمأساة الإنسانية المتكررة التي يعيشها السودان دون تعلم من دروس التاريخ.

search