سيف الاسلام عبدالله يكتب: السودان والهاجس الإسرائيلي عمق الرفض وثمن الثأر

الخميس، 06 نوفمبر 2025 01:05 م

سيف الاسلام عبدالله

سيف الاسلام عبدالله

السودان ​منذ فجر استقلاله وحتى العقود الأخيرة ظل موقعه الجغرافي ودوره السياسي يمثل حجر زاوية في منظومة العمل العربي المشترك خاصة فيما يتعلق بالصراع الوجودي مع إسرائيل حيث كان فاعلا أساسيا وموقفه المبدئي والصلب ضد المشروع الصهيوني هو ما جعله هدفًا دائمًا للاستهداف والمكائد الإسرائيلية في المنطقة.

 هذه المواقف بدأت تتضح بجلاء منذ المراحل الأولى للصراع وتصاعدت لتصل إلى ذروتها في محطات تاريخية حاسمة كشفت عن الخطر الذي يمثله السودان الموحد والقوي على الأمن القومي الإسرائيلي وتطلعاتها التوسعية.

​كانت قمة اللاءات الثلاثة في الخرطوم عام 1967 عقب نكسة يونيو هي اللحظة الفاصلة التي أكدت الدور المحوري للسودان فبينما كانت المنطقة تعيش حالة من الصدمة والإحباط استضافت الخرطوم المؤتمر الذي خرج بالقرار التاريخي المتمثل في اللاءات الثلاثة لا صلح لا تفاوض لا اعتراف بالكيان الصهيوني وهو موقف أرسى الأساس للسياسة العربية الرافضة للاستسلام ومثل نقطة انطلاق جديدة للصمود العربي هذا الموقف السوداني الشجاع الذي احتضن هذا القرار المبدئي في عاصمته ليس فقط  استضافة بروتوكولية بل كان تعبيرا عن إرادة وطنية وقومية راسخة بالوقوف في وجه المخطط الإسرائيلي لاغتصاب الأرضي المصرية وتصفية القضية الفلسطينية لقد أدركت إسرائيل حينها أن الخرطوم هي مصدر الرفض الصارم وأن تفعيل القوة العربية يبدأ من هذا الموقع الإستراتيجي.

​ولم يتوقف الدور السوداني عند الدعم السياسي والدبلوماسي بل تجاوزه إلى المشاركة العسكرية الفعلية في حروب التحرير ففي حرب أكتوبر المجيدة عام 1973كان للسودان حضور عسكري هام على الجبهة المصرية حيث أرسل قواته لدعم الجيش المصري وتمثلت مشاركته في لواء مشاة وغيره من الوحدات التي رابطت على الجبهة وقاتلت بشراسة في مواقع حاسمة كان لواء المشاة السوداني من القوات التي شاركت في جهود احتواء وتصفية ثغرة الدفرسوار التي حاولت إسرائيل من خلالها قلب موازين المعركة لقد كان هذا الوجود العسكري السوداني رسالة واضحة لإسرائيل بأن العمق العربي يعمل كوحدة واحدة وأن أي اعتداء على دولة عربية هو اعتداء على السودان فمثل هذه المشاركة الفاعلة والمساهمة في تحقيق النصر شكلت تحديًا مباشرًا للجيش الإسرائيلي وأثبتت أن السودان هو قوة قتالية وعمق إستراتيجي لمصر وفلسطين وللقضية العربية.

​هذه المواقف التاريخية الحاسمة لم تكن الوحيدة فالسودان بصفة عامة وعلى مدى عقود ظل يساند المقاومة الفلسطينية ويقدم الدعم السياسي لها ويفتح أبوابه للمتطوعين الفلسطينيين في مراحله المختلفة كما عمل كساحة إسناد خارجي للقضية الفلسطينية عبر الإسناد السياسي والدبلوماسي والإسناد العسكري والأمني المحدود وكذلك الإسناد التعليمي والثقافي وهذا ما جعل إسرائيل تنظر إليه كتهديد وجودي دائم على مشروعها فالخرطوم كانت تمثل عقبة  في طريق تطلعات إسرائيل الإقليمية الهادفة إلى إضعاف الدول العربية المحورية وشق صفوفها إسرائيل أدركت منذ زمن طويل أن السودان القوي والمستقر يشكل خطرا حقيقيا عليها وعلى أمنها القومي لأن قوته تعني قوة للعرب ووحدته تعني توحيدًا للصف العربي المضاد لمخططاتها.

​ولذلك فإن إسرائيل لم تنس هذا الثأر التاريخي وتلك المواقف الرافضة بل ظلت تعمل بجد ومنذ عقود على تفكيك بنية الدولة السودانية وزعزعة استقرارها عبر إستراتيجية قديمة حديثة تهدف إلى إضعاف الأطراف وبترها وهذا ما أكدته تقارير ودراسات إسرائيلية صريحة ترى أن سودانًا هشًا ومجزءًا خير لها من سودان قوي وفاعل لقد عملت إسرائيل على إشعال النزاعات الداخلية ودعم الحركات المسلحة المعارضة لحكومة الخرطوم تاريخياً في الجنوب والغرب وهو ما أدى في النهاية إلى انفصال جنوب السودان في عام 2021 وهو مكسب إستراتيجي كبير لإسرائيل ضمن إستراتيجية شد الأطراف ويتم تنفيذ هذا الثأر عبر وكلاء إسرائيل في المنطقة الذين يعملون على تأجيج الخلافات وتغذية الصراعات وإبقاء السودان في حالة عدم استقرار دائمة.

 كل ذلك يهدف إلى تحويل السودان من عمق إستراتيجي مضاد إلى دولة منقسمة ومأزومة وغير قادرة على استغلال مواردها الهائلة أو لعب دورها القومي وبالتالي يصبح السودان بدلًا من أن يكون سيفًا مسلطًا على المشروع الإسرائيلي هدفًا سهلا للاختراق والتفتيت وهذا الثأر يتواصل اليوم عبر دعم أطراف الصراع الداخلي وتغذية الفوضى لضمان تفكيك ما تبقى من الدولة الموحدة فالثمن الذي تدفعه إسرائيل هو السلامة الإستراتيجية لمشروعها أما الثمن الذي يدفعه السودان فهو الاستقرار والوحدة الوطنية وهذا يفسر كيف أن إسرائيل لا تنسى مواقف الرفض والمقاومة وتواصل تنفيذ ثأرها عبر وكلائها الإقليميين والمحليين لتحويل السودان من قوة إقليمية محتملة إلى ساحة صراع مستمرة ليبقى السودان في ذاكرة إسرائيل هو قمة اللاءات الثلاثة التي يجب تفتيتها بكل الوسائل.

search