مجدي العجب يكتب: الشرف الباذخ.. استقلالٌ اكتمل ومسؤولية تتجدّد
السبت، 20 ديسمبر 2025 01:45 م
مجدي العجب
في حضرة التاريخ، وتحت قبة البرلمان التي شهدت ميلاد الدولة السودانية، لم تكن الندوة التلفزيونية التي نظّمتها قناة الموطن 24 برعاية مجلس الوزراء مجرد استعادةٍ لذكرى الاستقلال، بل كانت محاولة واعية لقراءة المعنى الغائب من الاستقلال، والبحث عن روحه التي تاهت بين ضجيج السياسة وركام الحروب. جاء شعار الندوة «الشرف الباذخ» معبّراً عن تلك القيمة الأخلاقية العالية التي بها تُبنى الأوطان، لا بالشعارات، بل بالوعي والمسؤولية والتجرد.
من داخل البرلمان، حيث قال الآباء الأوائل كلمتهم في التاسع عشر من ديسمبر، عاد الصوت اليوم ليتساءل: ماذا فعلنا بتلك الكلمة؟ وهل صُنّا الأمانة؟ في هذا المقام، قدّم مستشار رئيس الوزراء الأستاذ محمد محمد خير سرداً تاريخياً للعلاقات السودانية المصرية، لا بوصفها علاقة جغرافيا فقط، بل علاقة مصيرٍ مشترك، تشكّله المياه، وتؤطره المهددات الأمنية، وتدعمه ضرورات التكامل. وأشار بوعي سياسي عميق إلى أن الموقف المصري الأخير تجاه السودان، عقب زيارة رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ليس موقفاً عابراً، بل خطوة لها ما بعدها في معادلة الإقليم، حيث لا مكان للفراغ ولا للضعف.
وفي نبرةٍ مشوبة بالأمل، بشّر محمد خير بقرب الاستقرار وتطبيع الحياة، مؤكداً أن حكومة الأمل، بحكم طبيعتها التكنوقراطية، ليست خصماً للسياسة، بل جسراً ضرورياً يعبر به السودان من فوضى الانتقال إلى رحاب الدولة، تمهيداً لانتخابات تعيد للشعب حقه في الاختيار. كما جاءت قراءته لتاريخ السودان السياسي قاسية لكنها صادقة؛ إذ لم تُنتج الحقب المتعاقبة سوى التناحر والضغائن، ما جعل خيار التكنوقراط، في هذه اللحظة المفصلية، حلاً واقعياً لا ترفاً فكرياً، مع تأكيده الواضح على غياب الإخوان المسلمين عن المشهد الحالي، ودعوته الأحزاب إلى إعادة بناء ذاتها لتكون جديرة بالمستقبل.
أما الدكتور جراهام عبد القادر، وكيل وزارة الثقافة والإعلام والسياحة، فقد وضع الإصبع على الجرح العميق، حين تحدث عن امتحان الدولة الشاملة، السياسية والاجتماعية والثقافية. دعا إلى استدعاء التاريخ لا للبكاء عليه، بل لاتخاذه درساً للبناء، محذراً من العصبية القبلية والطائفية المتشددة، مؤكداً أنها لا تصلح لقيادة دولة. وفي طرحٍ عاقل، أعاد تعريف التنوع السوداني بوصفه طاقة كامنة، إن أُحسن توظيفها أصبحت مصدر قوة، وإن أُسيء استخدامها تحولت إلى وقود للنزاع، مشدداً على ضرورة أن تقوم علاقات السودان الخارجية على الندية، لا الانكسار ولا التبعية.
ومن زاوية المستقبل، جاءت مداخلة الأستاذة أحلام مدني مهدي، مدير الجهاز القومي للاستثمار، لتربط الاستقلال بالأجيال الناشئة، مؤكدة أن الاستقلال الحقيقي لا يكتمل إلا حين يشعر الطفل السوداني بأن هذا الوطن له، وفيه مستقبله. كما بشّرت بتخطيطٍ جارٍ لتوقيع اتفاقيات استثمارية كبيرة، تمتد مشاريعها إلى كل أنحاء السودان، في رسالة واضحة بأن الاقتصاد هو أحد مفاتيح الخلاص من دوامة الحرب.
وفي ذات السياق، أكدت الأستاذة سامية أوشيك، وزيرة الاستثمار والسياحة والبيئة بولاية البحر الأحمر، أن السودان ليس فقيراً كما يُروَّج، بل غني بخبراته وثرواته، ومستهدف في موارده وإنسانه. دعت إلى إفساح المجال للتكنوقراط، ليقود الخبراء والعلماء دولة المواطنة، وبناء مؤسسات حقيقية تصنع المجد، لا مؤسسات هشة تعيش على الشعارات.
لقد جاءت هذه الندوة، التي أدارها زهير الطيب بانقا، وتابعها محمد الحسيني، وأشرف عليها الدكتور آدم الزبير، بمثابة وقفة تأمل في لحظة وطنية دقيقة. وهي، في جوهرها، رسالة تقول إن الاستقلال ليس ذكرى تُحتفل بها مرة في العام، بل مشروعاً دائماً يحتاج إلى جيشٍ وطني يحمي الأرض، ودولةٍ رشيدة تديرها العقول، وشعبٍ واعٍ يعرف أن الشرف الباذخ لا يُمنح، بل يُنتزع بالتضحيات والعمل والإخلاص.
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
خالد الاعيسر ينعى الموسيقار الدكتور عبد القادر سالم
16 ديسمبر 2025 03:59 م
مكتول هواك يا كردفان: وداعًا عبدالقادر سالم صوت الأرض والذاكرة
16 ديسمبر 2025 02:38 م
وفاة الفنان عبدالقادر سالم.. صوت كردفان الأصيل يرحل عن الحياة
16 ديسمبر 2025 02:32 م
عاطف السماني يُجري عملية قسطرة بالقلب ويطمئن جمهوره على صحته
16 ديسمبر 2025 11:13 ص
رعاية رسمية لعلاج فائزة عمسيب تقديرًا لمسيرتها الفنية
15 ديسمبر 2025 12:39 م
حكومة الأمل تتكفل بعلاج الفنانة فائزة عمسيب
14 ديسمبر 2025 06:52 م
الأكثر قراءة
-
رشان أوشي تكتب: البرهان.. من الثورة إلى الدولة
-
الحكومة: استوفينا كل الشروط المطلوبة لعودة عضوية السودان إلى الاتحاد الإفريقي
-
بعد استهداف محطة الكهرباء بعطبرة.. السلطات تمنع التجمعات والاحتفالات
-
الدكتور أسامة الفاتح العمرى يكتب: زاوية تاريخية ومقاربة سياسية: إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان (19 ديسمبر 1955) بين فشل المرحلة الاستعمارية وخصومة القوى الوطنية
-
مجدي العجب يكتب: من داخل القبة.. وُلد السودان
أكثر الكلمات انتشاراً